رحيق الكلمات

مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ .. القَدَاسَةُ والجَلاَلُ والهُدَى

 

مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ .. القَدَاسَةُ والجَلاَلُ والهُدَى

(1) 

نشَرَتْ ذوَئِبهَا على الأنْحَاءِ
قُدسِيَّةُ الأزْمَانِ والأرْجَاءِ

هِيَ (مَكَّةٌ).. نُورُ المَدَائِنِ.. حُبُّهَأ
قَدْ حَلَّ في الأدبَاءِ والخُطَبَاءِ

فَتَوَارَثُوا قَوْلاً بَلِيْغَاً نَاجِزَاً
هُوَ قِبْلَةُ الأدَبَاءِ والشُّعَرَاءِ

مَزَجُوا بَلاَغَاتَ الكَلاَمِ بَنَخْوِهِ
والصَّرْفَ، بالتَّدْقِيقِ في الإمْلاَءِ

فَأتَوْا بِشِعْرٍ تَسْتَجِيبُ حُرُوفُهُ
لِرَوَائِعِ الإبْدَاعِ.. دُونَ عَنَاءِ

قَالُواْ لـ (مَكَّةَ).. كلَّ قَوْلٍ صَادِقٍ
واسٍتَلْهَمُوا وَحْيَ السَّمَا بِنَقَاءِ

فَإذَا النَّوَاحِيْ خُضْرَةٌ وزَبَرْجَدٌ
مِنْ كُلِّ فنٍّ مَاتِعٍ بِسَخَاءِ

 

*    *    *

(2) 

يَا (مَكَّةَ) الخَيْرِ.. اسْتَجِيبِي للفَتَى
إذْ جَاءَ يَقْفُو خَطْوَةِ الآبَاءِ

قَدْ جَاءَ من طرف (الحجون) و(ذِي طوى)
و(الأخْشَبَيْنِ)… يَسِيرُ في اسْتِحْيَاءِ

يَسْتَرْفِدُ الأشْوَاقَ بَعْضَ هُطُولِهَا
لِيَقُولَ شِعْرَاً وَاضِحَاً بَخَفَاءِ

وَأتَى (حِرَاءَ) لِيَسْتَلِذَّ بِخَلْوَةِ
مَا أَجْمَلَ الخَلَوَاتْ فَوْقَ (حِرَاءِ)

فِيِهِ تَحَنَّثَ (أحْمَدٌ) عَلَمُ التُّقَى
حَتَّى تَلَقَّى الْوَحْيَ، فَيْضَ بَهَاءِ

(اِقْرَأْ).. فَكَانَتْ (مَكَّةٌ) قُدْسِيَّةٌ
عَرَبِيَّةُ الفُصْحَى… بِكُلِّ ثَرَاءِ
(اِقْرَأْ).. فَنَالَ المُقْرِئُونَ ثَوَابَهُمْ
هَدْيَاً مِنَ الرَّحْمَنِ، بَعْضَ عَطَاءِ

(اِقْرَأْ).. نَنَزَّلَ وَحْيُ رَبِّي آمِرَاً
فَغَدَوْتِ (َمَكَّةَ) قِبْلَةَ القُرَّاءِ

وَغَدَوْتِ أَجْمَلَ دَارَةٍ قُدْسِيَّةٍ
(أُمَّ القُرَى).. وَحَبِيْبَةَ الفُضَلاَءِ

 

*    *    *

(3)

رَحَلَتْ بِيَ الأزْمَانُ صَوْبَ رُبُوعِهَا
فَإذَا السَّمَاءُ مَحَجَّةَ الأنْبَاءِ

وَإذَا (حِرَاءُ) يَطُلُّ مِنْ عَلْيَائِهِ
فَيَرَى جَلاَلَ الكَعْبَةِ الغَرَّاءِ

وَيَرَى (المَقَامَ) وَ(زَمزَمَاً) وَيَرَى (الصَّفَا)
قَدْ تٌوِّجَتْ جًنَبَاتُهَا بِضِيَاءِ

وَيَرَى حَوَالَيْهَا (الحَطِيْمَ) وقَدْ هَفَتْ
كُلُّ النُّفُوسِ، بِهِمَّةٍ قَعْسَاءِ

 


وَيَرَى عَلَى (الرُّكْنِ المقَدَّسِ).. آيَةً
مِنْ جَنَّةٍ قُدْسِيَّةِ الأجْوَاءِ

يَاقُوتَةً مِنْ عِنْدِ رَبِّي أُنْزِلَتْ
كَرَمَاً لِهَذِي الأُمَّةِ الزَّهْرَاءِ

وَيَرَى عَلَيْهَا النُّوْرَ شَعَّ وَضَاءَةً
وَسَنَاهُ يَجْلُو حَالِكَ الظَّلْمَاءِ

مَازِلْتُ عِنْدَ (حِرَاءَ)، أَسْمَعُ نَبْضَهُ
يَحْكِي لَنَا عَنْ سِيْرَةِ العُظَمَاءِ

حَتَّى أتّى لـ (مُحَمَّدٍ)، فَعَذَرْتُهُ
لَـمَّـا تَحَشْرَجَ صَوْتُهُ بِبُكَاءِ

قَدْ فَارَقَتْ صَخَرَاتَهُ خَطَوَاتُهُ
وَتَصَرَّمَتْ سُبُلٌ.. فَلاَتَ لِقَاءِ

وَتَبَاعَدَتْ مَا بَيْنَهُمْ حِقَبُ المَدَى
تَتْلُوْا عَلَيْنَا سُوْرَةَ (الإسْرَاءِ)

وَهُنَاكَ أدْرَكَنِي الخٌشُوعُ، فَلَيْتَ لِي
إيمَانُ (عَمْرِوٍ).. أَوْ (أبِي الدَّرْدَاءِ)
*    *    *

(4)

 (يَا مَكَّةَ) الخَيْرِ وَيَا رَمْزَ الهُدَى
يَا قِبْلَةَ العُقَلاَءِ وَالعُلَمَاءِ

هَا جِئْتُ أَسْألُ يَوْمَ هِجْرَةِ (أحْمَدٍ)
عَنْ وَقْفَةِ (الصِّدِّيقِ) وَ(الأبْنَاءِ)

عَنْ لَيْلَةٍ سِرِّيَّةٍ فِيْهَا التَقَى
رَأْيُ النَّبِيِّ وَخِيْرَةُ الرُّفَقَاءِ

عَنْ (غَارِ ثَوْرٍ) عِنْدَمَا حَلاَّ بِهِ
فَبَنَتْ (عَنَاكِبُ) بَيْتِهَا بِجَلاَءِ

وَعَنِ (الحَمَامَةِ) إذْ أتَتْ لِحِرَاسَةٍ
في وَجْهِ أهْلِ الكُفْرِ والبَغْضَاءِ

وَعَنِ (ابْنَةِ الصِّدِّيقِ أسْمَاءَ) الَّتِي…
شَقَّتْ نِطَاقَاً، وارْتَقَتْ بِحَيَاءِ

يا (غَارَ ثَوْرٍ) أنْتَ رَمْزُ كَرَامَةٍ
حَدِّثْ لَنَا عَنْ هِجْرَةْ غَرَّاءِ

سَلَكَ النَّبِيُّ طَرِيقَهُ في خُفْيَةٍ
نَحْوَ (المَدِيْنَةِ)/ (يَثْرِبَ) الفَيْحَاءِ

وَ(ابْنُ الأُرَيْقِطِ) دَالَّهُمْ وَدَلِيْلَهُمْ
يَسْرِيْ بِهِ في حَالِكِ البَيْدَاءِ

حَتّى أتَوْا (وَادِي قُدَيْدَ) وَأَمْرَحُوا
تِلْقَاءِ قَوْمٍ في لَظَى الرَّمْضَاءِ

قدْ خَيَّمُواْ، وَتَفَرَّقُوا في رَعْيِهِمْ
إلاَّ عَجُوْزَاَ قَدْ نَأَتْ بِخِبَاءِ

مَرُّوا عَلَيْهَا يَسْتَقُونَ حَلِيْبَهَا
لَكِنَّهَا لَمَحَتْهُمُ بِذَكَاءِ

وَبَدَتْ عَلَيْهَا فَرْحَةٌ مَحْفُوْفَةٌ
بِسَعَادَةٍ.. وَمَحَبَّةٍ.. وَبُكَاءِ

قُلْنَا لَهَا يَا (أُمَّ مَعْبَدَ) حَدِّثِي
عَنْ (أَحْمَدٍ)، عَنْ (شَاتِكِ العَجْفَاءِ)

لَـمَّـا أتَاكِ وَصَحْبُهُ في هِجْرَةٍ
قَدْ زَانَهَا التَّارِيْخُ دُوْنَ خَفَاءِ

قَالَتْ: أَتَوْنِي والشِّيَاهُ قَدْ اغْتَدَتْ
لِلرَّاعْي… مَرْعَىً بَائِسَ الأنْوَاءِ

وَتَسَاءَلُواْ: هَلْ عِنْدَنَا مِنْ مَذْقَةٍ
لَبَنٍ قَرَاحٍ: شَرْبَةٍ، وَغِذَاءٍ

فَتَسَاكَبَتْ عَيْنَايَ بِالدَّمْعِ الَّذِيْ
بَلَّ الثَّرَى وَازْدَدْتُ في الإعْيَاءِ

لَمْ أسْتَطِعْ كَرَمَ الوِفَادَةِ واللِّقَا
وَغَدَوْتُ أخْصِفُ قَامَتِيْ بِرِدَاءِ

لَمَحُوْا عَلَى كَسْرِ الخِبَاءِ (شُوَيْهَةً)
عَجْفَاءَ يُنْبِئُ ضِعْفُهَا بِبَلاءِ

نَادَى بِهَا.. وَدَعَا لَهَا.. فَتَبَارَكَتْ
كَفَّاهُ إذْ حَطَّتْ بِضَرْعِ الشَّاءِ

وَتَصَبَبَ اللَّبَنُ المُبَارَكُ واْسْتَقَوْا
واْسْتَبْشَرُوْا بِالحَلْبِ والإرْوَاءِ

قَالَتْ وَأيْمُ اللهِ هَذَا مَوْكِبٌ
يَحْدُوْهُ نُوْرُ الحَقِّ دُونَ مِرَاءِ
*    *    *

 

(5)

قُلْنَا: صِفِيْهِ لِمَنْ أرَادَ تَعَرُّفَاً
وَتَوسَّعِي في الشَّرْحِ والإطْرَاءِ

قَالَتْ: وَصَوْتُ الحَقِّ فَوْقَ لِسَانِهَا
هُوَ أجْمَلُ الأسْمَاءِ في الأسْمَاءِ

هُوَ أبْلَجُ الوَجْهِ المُضِيء وَسَامَةً
وَقَسَامَة.. كَالبَدْرِ والجَوْزَاءِ

هُوَ أدْعَجُ العَيْنَيْنِ، فِيهِ شَجَاعَةٌ
وَمَهَابَةٌ تَعْلُو عَلَى الأعْدَاءِ

هُوَ مَنْطِقٌ عَذْبٌ، وَرُوْحٌ سَمْحَةٌ
وَصَفَاءُ نَفْسٍ فَوْقَ كُلِّ صَفَاءِ

إنَّ الوَقَارَ عَلامةٌ في صَمْتِهِ
وَإذَا تَكَلَّمَ… أفْصَحُ البُلَغَاءِ

لِلَّهِ دَرُّ (عَوَيْتِكِ) في وَصْفِهَا
فهي الفَصِيحَةُ… وابْنَةُ الأُدَبَاءِ
            *

  

(6)

يَا (مَكَّتِي) سَكَبَ الزَّمَانُ لُحُونَهُ
حَتَّى يَرَاكِ نَقِيَّةَ الأمْدَاءِ

وَهَوَتْ إلَيْكِ قُلُوبُنَا مُشْتَاقَةٌ
لِسَنَا ثَرَاكِ الطَّاهِرِ الأفْيَاءِ

فِيْكِ اسْتَحَقَّ المُؤْمِنُونْ جِوَارَةً
وَإلَيْكِ حَنَّتْ أنْفُسُ البُسَطَاءِ

فَإذَكِ في كُلِّ النَّوَاحِيْ سَرْمَدٌ
وإذَاكِ مَعْنَىً في ذُرَى الأشْيَاءِ

فَلْتَرْتَقِي في الرُّوحِ وَارِفَةَ السَّنَا
وَلْتُشْرِقِي في القَلْبِ وَمْضَ سَنَاءِ

أنْتِ القَدَاسَةُ والهِدَايَةُ والهُدَى
رَمْزُ الجَلاَلِ.. وَقِبْلَتِي وَدُعَائِي

 

شعر: الدكتور/ يوسف حسن العارف

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    دكتورنا وأديبنا وشاعرنا الجميل المبدع
    الدكتور يوسف بن حسن العارف
    هذا نصٌ شعري جميل معنى ومبنى
    شكرا شكرا لكم على هذه القصيدة الجميل
    وإلى الأمام دائما وابدا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى