كُتاب الرأي

الدعوة والدعاء: بين ألسنة الناس وأبواب السماء

 

الدعوة والدعاء: بين ألسنة الناس وأبواب السماء

في تعاملاتنا اليومية نحرص على استخدام كلمات لطيفة وتعبيرات تنبع من نوايانا الطيبة تجاه من حولنا. فنقول لمن سيسافر: (ترجع بالسلامة) ولمن نلقاه في الصباح: (صباح الخير)وعند الوداع: (يومك سعيد). 

كلها كلمات رقيقة تدل على المحبة والاهتمام لكنها في حقيقتها تُسمى دعوات.

لكن هل توقفت يومًا لتتأمل الفرق بين الدعوة والدعاء؟

الفرق الجوهري

الدعوة ببساطة هي أمنية طيبة يتبادلها الناس فيما بينهم كأن تدعو لصديقك بأن يكون يومه جميلًا أو لسائق بأن يصل سالمًا أو لطفل بأن يفرح بلعبته الجديدة. 

كلماتنا في هذه اللحظات تعبّر عن مشاعر نبيلة لكنها تظل حبيسة دائرة الكلام بين الناس لا تتجاوز حدود النية الحسنة.

أما الدعاء  فهو أسمى وأعمق. 

إنه حين ترتفع كلماتك إلى السماء ويصبح الحديث بينك وبين رب العالمين. 

حين تقول: (الله يرجعك بالسلامة) أو (الله يجعل صباحك خير وبركة) فأنت لا تكتفي بتمنّي الخير بل تطلبه ممن بيده الخير كله وتوكل الأمر إليه.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:

الدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل.

ويقول ابن رجب:

الدعاء سلاح المؤمن وبه يُدفع البلاء قبل نزوله ويُرفَع بعد نزوله وهو سبب لانشراح الصدر وتيسير الأمور ودفع المكروه.

بين الدعوة والدعاء

الفرق بين الدعوة والدعاء يشبه الفرق بين قولك لشخص (أتمنى لك النجاح) وقولك (اللهم وفقه ونجحه)… الأولى بينك وبينه والثانية بينك وبين الله لأجله.

ومن عظمة الدعاء أن الله وعد عباده بالإجابة، فقال:

(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60].

وفي الحديث القدسي:

يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم… يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي…)– رواه مسلم.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

الدعاء هو العبادة. – رواه الترمذي.

لمسة بسيطة تصنع فرقًا كبيرًا

حين نضيف اسم الله إلى كلامنا يصبح للكلمة بعد آخر وأثر أعمق:

(يعطيك العافية)→ (الله يعطيك العافية)

(تروح وتجي بالسلامة) → (الله يحفظك ويردك سالم)

(يومك جميل) → (الله يجعل يومك فرح ورضا)

قال بعض السلف: 

إني لأعلم متى يُستجاب دعائي إذا رقّ قلبي ودمعت عيني وعلمت أن الله مطلع عليّ.

الدعاء عبادة لا تُرد

من فضل الله علينا أن الدعاء لا يضيع فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجل له دعوته وإما أن يدّخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. – رواه أحمد.

وفي رواية أخرى:

ولا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل.

قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: دعوتُ ودعوتُ فلم أرَ يُستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدَع الدعاء. – رواه مسلم.

الدعاء يغيّر الحال ويجلب البركة

لا تستهِن بكلمة فقد تكون سببًا في تفريج همّ أو شفاء مريض أو حفظ مسافر. 

قال ابن تيمية:

الدعاء سببٌ يدفع البلاء ويجلب الخير كما أن السلاح يُستعمل لردّ العدو لا يَنفَع السلاح بغير يد ولا تنفع اليد بغير سلاح.

خلاصة المقال

الدعوة: نية طيبة تُقال بلسانك.

الدعاء: توسّل صادق يُرفع إلى ربك.

الدعوة: تلامس قلب من يسمعك.

الدعاء: تفتح لك ولمن تحب أبواب السماء.

فلتكن كلماتنا دائمًا مليئة بذكر الله ولنحرص أن نحول كل دعوة إلى دعاء وكل نية طيبة إلى عبادة.

وتذكّر دائمًا: الدعوة طيبة… والدعاء أطيب.

كاتب رأي وإعلامي

سويعد محمد موسى الصبحي

كاتب رأي وإعلامي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى