كُتاب الرأي

( إيران وعودتها للسودان)

 

ساءت علاقة السودان بإيران على إثر تأييد الأولى للعراق في حربها مع إيران في عهد الصادق المهدي في الثمانينات من القرن الماضي ، بعد أن كانت على مد وجزر من التدخلات الإيرانية ، ولتقلب السلطات في السودان بين عهد النميري ومجيء حسن الترابي والصادق المهدي وعمر البشير كرئيس للسودان إستمر لأكثر من عقدين من الزمن ،نشطت في عهده العلاقة السودانية الإيرانية بعد انقلابه عام 1989عندما جيء به للسلطة من حسن الترابي ،وإطاحته بعد ذلك بإنقلاب عسكري قاده البرهان وصديق ( البشير ) حميدتي قائد قوات الدعم السريع .
يُعد حسن الترابي أحد حلفاء إيران عند انقلابه على السلطة في السودان عام 1989 حيث مكن ( الترابي )النظام الإيراني من الإقتراب من البحر الأحمر ، وهو مايعد خط أحمر للدول المجاورة ومنها المملكة ، وبالتالي خلق الإقتراب الإيراني توترات إقليمية افتعلتها إيران من خلال دعم وتأسيس جماعات إرهابية في المنطقة كان من ضمنها تنظيم القاعدة حينذاك .
قطعت العلاقة السودانية الإيرانية عام 2017 قالت حينها السلطات في السودان أن ذلك بسبب حرق البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد ، بالطبع كان ذلك أحد الأسباب ولكن السبب الرئيسي هو تمكن إيران من خلال ملحقياتها الثقافية في الخرطوم من نشر التشيع ، وهو مادأبت عليه (إيران) من نشرها للتشيع في البلدان العربية والإسلامية ، وهو هدف رئيسي تنفذه طهران ، وتعتبره مبدأ أساسي لديها في الثورة وهو ( المد الشيعي) في العالم الذي تخصص له ( إيران )ميزانيات ورشى كبيرة قد تتجاوز ميزانياتها المليارات من الدولارات الأمريكية .
تنبهت الخرطوم لذلك الخطر المحدق بها بعد أن رأت خطورة وجود السفارة الإيرانية وملحقاتها الدبلوماسية والثقافية وعملها في إستقطاب القيادات الحركية السودانية ووجهاء الدولة والمجتمع وإبتعاث بعض الطلبة السودانيين لقم وطهران لغرس المفهوم الفكري الشيعي لديهم ، وإعادتهم لدولتهم لتولي التبشير بهذا الفكر المنحرف كما فعلته في لبنان وتفعله الآن في سوريا والعراق واليمن ، وعندئذٍ تحركت القيادات والمسئولين الغيورين على الدولة ونظامها الإسلامي وضغطت على السلطة التي قطعت علاقتها بالنظام الإيراني .
بعد إنقطاع إستمر لما يقارب الثمان سنوات عادت إيران ومن خلال البرهان والجيش السوداني وذلك لدعمه في مواجهة مليشيات حميدتي ، وزودت الجيش ببعض الطائرات الإستطلاعية والهجومية
من الطائرات المسيرة ، وكذلك ببعض الأسلحة والصواريخ لمواجهة قوات الدعم السريع المدعومة من تشاد وبعض الفرقاء في ليبيا وأريتريا وبعض الدول في تدخل يستغرب وبالذات من الدولة المجاورة والشقيقة لنا دعمها لحميدتي حسب ماتنضح به وسائل الإعلام والجهات السودانية هناك ، وهو مايفسر محاولة تقويض الجهود السعودية في حل هذه المأساة التي عصفت بالسودان وأهله ، وأصبح مصيرهم في مهب الريح كما يقال.
إن وجود إيران في السودان لن يحل الوضع ، ولن يؤدي لنصر البرهان على حميدتي ، بل سيكون وجودها إمتداداً لسابق عهدها في السودان ، وسيزيده تأزيما ، وسيخلق الكثير من العقبات ، ومنها إعادة نشرها للتشيع ، بل والعمل على تفتيت السودان وهو ماتسعى له الدول المستعمرة ، وبالتأكيد هو ماستحققه إيران لهم وتعمل عليه من خلق دويلات في دارفور وفي الشمال وفي أجزاء أخرى من السودان ، وبالتالي تضع يدها على تحالفات جديدة ، وتأسيس أحزاب وميليشيات إرهابية كالأحزاب الشيعية العراقية وحزب الشيطان وفروع للحرس الثوري في السودان ، ناهيك عن التداعيات الأخرى التي ستنشأ في البحر الأحمر نتيجة قرب إيران من هذا الإقليم ، وعندئذ ٍتفقد الدولة شرعيتها ( السودان) وتلحق بالعراق ولبنان وبقية العواصم التي تدعي إيران السيطرة عليها .
إن اقتراب إيران من السودان يعد بمثابة تدمير لهذه الدولة وضياع أهليتها وشرعيتها ومكوناتها السياسية والإقليمية والدولية وستصبح ساحة لصراعات إقليمية ، وربما تتجرأ بعض الدول المجاورة لها وتستقطع أجزاء كبيرة منها ، وهو مايعد خطراً على الدول المجاورة ودول إقليم البحر الأحمر ، ومنها المملكة ومصر التي ستعاني خاصة من الوجود الإيراني في السودان ، ولعل من الحلول التي يجب أن تقوم بها الدول العربية المهتمة بالشأن السوداني هو المسارعة في إنهاء الحرب بين الفريقين المتحاربين ، وإيجاد مخرج لكل من حميدتي والبرهان ، ووضع قوة تسيطر على البلاد ليتسنى للحكومة والجيش إدارة الوضع ، وإنهاء الصراع دون تدخل إيران أو تشاد أو غيرها من الدول ( المجاورة) ، وأن تقوم مصر والمملكة بدور محوري في إنهاء هذه الحرب ، ومنع تدهور الوضع وإستغلاله من أي دول كانت دولية أو إقليمية ، ومنع مايؤدي إلى تأجيج الصراع بين الفريقين أو مساعدة طرف على آخر حتى لو أدى ذلك لتدخل من المملكة ومصر عسكرياً ومن يهمه الشأن العربي بشكل عام،كما نتمنى من أهل السودان عقلائهم وشرفائهم وضع يدهم في يد بعض وتكاتفهم وردع المعتدي من أي الفريقين كان لإعادة شرعية الدولة ومنع التدخلات الأجنبية وحفظ السودان دولةً وشعبا .

لواء م/ محمد سعد الربيعي
كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى