كُتاب الرأي

أَخلِص تَخلَص

أَخلِص تَخلَص

لفتني وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي تداول مقطع فيديو لأحد المسؤولين وهو يزور إحدى المدارس الابتدائية التابعة لمحافظته في إحدى الدول العربية، حيث قام هذا المسؤول بتناول وجبة الغداء مع الأطفال، ليتنشر هذا الفيديو بعدها على مواقع التواصل الاجتماعي بين من يشيد بأخلاق الرجل ومن يصفه بالمتواضع والمسؤول والرجل المناسب في المكان المناسب، لا لشيء سوى لأنه قام بمجالسة هؤلاء الأطفال لبعض الدقائق وتناول بعض الطعام معهم، متناسين بذلك أن ما قام به هذا المسؤول هو في حقيقة الأمر من صميم مسؤولياته وواجباته المهنية، ولم يكن هناك من داعٍ لتقليده نياشين وأوسمة الاستحقاق، قد يقول قائل منكم إن انتشار الفيديو وفيديوهات مماثلة ومتقاربة الفكرة واستحسانها من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي جاء من باب القول للمحسن إذا أحسن أحسنت وللمسيء إذا أساء أسأت، وهي وجهة نظر صحيحة أيضًا.
ولكنني أردت أن أنوِّه إلى أمر آخر في هذا الموضوع وهو أن الأعمال الخيِّرة والسُّلوكات الحميدة أصبحت بمنزلة سلوكات شاذة في مجتمعاتنا لدرجة أنها ما إن تحدث حتى نُحدث معها ضجة موازية ويعلم بها القاصي والدَّاني، في حين أنه من الواجب أن تكون هذه السلوكات ضمن عاداتنا اليومية الروتينية التي يتوجب علينا الالتزام بها، من باب الإخلاص في العمل والقيام بالمسؤوليات على أكمل وجه.
إن نجاح أي عمل وظيفي واستمراره مرتبط أساسًا بالإخلاص فيه؛ ذلك أن الإخلاص يتناقض مع النفاق والرِّياء، ويتعلق أشد التعلق بضمير الفرد وبمدى حبه وحرصه على القيام بمسؤولياته كاملة، ولا تُقاس شدة الإخلاص إلا في وجود الرقابة الذَّاتية للموظف وإفساح المجال أمامه ليقوم بعمله بمنتهى الحرية مستشعرًا بذلك روح المسؤولية أمام الله -عز وجل- وأمام المؤسسة التي يشتغل بها ويحسُّ بانتمائه المهني إليها، إلى جانب مجتمعه الذي يوجه إليه هذه الخدمة، وتحضرني هنا مقولة لسيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تُبين حرصه الشديد على خدمة رعيته وحرصه على أمنهم وسلامتهم إذ قال: “لو أن جملاً، أو قال: شاة، أو قال: حملًا، هلك بشط الفرات، لخشيت أن يسألني الله عنه”.
فأين نحن من أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته؟ إذن فالإخلاص في العمل هو جوهر العمل ودليل نجاحه، ولا يستدعي منا أن نقوم بتوثيقه بعدسات الكاميرا وعرضه على أنه عمل بطولي، في حين أنه من صميم واجباتنا، فلنُخلص في عملنا حتى نَخلَص أمام الله وأمام أنفسنا وأمام مجتمعنا، دمتم مخلصين.

عبدالعليم مبارك

عبدالعليم مبارك

أديب وكاتب رأي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى