كُتاب الرأي

( أي الكفّتين سترجح؟ )

 

( أي الكفّتين سترجح؟ )
شعرةٌ ما بين الإنزواء والإنضواء إما الإنخراط في ذوات الآخرين أو الإكتفاء بالذات.
في وقتنا الحالي الكثيرُ منّا حيارى، عاجزون عن إدارة أوقاتنا ما بين هدرٍ الدقائق في التوجيه أو إرواءِ ذلك الشعور اللاهث المتعطّشِ للنهل من معين شتّى العلوم التي تثري أرواحنا وتشبع جوع عقولنا، فبقينا كمن ينشدُ ضالّتهُ، كيف السبيلُ للتوازن؟! وأي الكفّتينِ سترجح.. كفّةُ الاستزادة أم العطاء؟!

“إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه”.
قالها سلمان الفارسي لأخيه أبي الدرداء، والذي أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم حين غلّب جانب العبادة وأهمل نفسهُ وزوجه، فكلٌّ له حق، والفطن من يوازن بين الأمور، فلا يبقى قابعاً في محرابهِ طول يومهِ ولا متلفعاً بالأنانية منكبّاً على وجههِ هائماً بين وريف الكتب، غائراً في أعماق ثرثرةٍ متوغلاً في الأحاديث الفارغة ومجالس اللهو التي تَنسجُ حبائل الخوف وتثير الرعب وتدبُّ الشكوك وسيءُ الظنون في نوازل الدهر الواقعة.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “ساعةٌ وساعة” ساعةٌ للروحِ تروي ظمأها ترتشفُ من كؤوس الطمأنينةِ من آيات القران وذكر الرحمن، فالذكر يلازمك مدى العمر فهو لك بركةٌ وحفظٌ ورحمة، بها تقوّم اعوجاج النفس بالمحاسبة تضيء محاجر الروح وترّقع ما أحدّثتها الأيام من ثغرات، وساعةٌ تقضي حوائج إخوتك وتعينهم على نوائب الدهر فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه “

لأن يدك مخضّبةٌ بالعطاء و بكلماتك تستطيعُ أن تلاطف أرواحهم المنهكة، تأخذ بيد ذلك النازح عن العالمين يأساً، تحدّث المتعبين الوجلين من خطوب الزمن عن لطف الله ورحمته التي وسعت كل شيء، وكل السعادة حين تدخل السرور على قلب مسلم وتروّح عن نفسه بابتسامة تزرعها على ثغره.

ساعة العطاء تلك من أجمل اللحظات حين ترى مضمار التنافس في ميدان البذل فتجد الأسارير
وقد تهللت والبهجة اعتلت المحيّا، تأكد أن عملك عند الله عظيم وثق تماماً أن تلك الفرحة ستعود إلى قلبك ذات يوم.

وأما ساعة الاستزادة تكن في ميادين العلم كالنحل،ترتشف أعذب الرحيق وأجودها وفتح الله عظيمٌ
حين أغدق علينا بالنعم المستجدّة مع مرور الأزمنة وتطوّر التقنية وعالم الشبكة العنكبوتية فتكاثرت سبل العلم وطرق تحصيلهِ فمن المنابع تجد ما يأتي إلى موقعك دون عناء وما تستطيع تحصيلهُ تلقيناً وسماعاً
دون إهدارٍ لوقتك في الوسائل الموصلة لها.

وبذلك حتماً لن ترجح كفةٌ على أخرى، إن امتلكنا يقظة حد الإدراك والوعي الكافي لإدارة ذواتنا وعلاقاتنا ومهامنا ومعرفة حقوق أنفسنا ومن حولنا، ونعلم جيداً أن البناء الشاهقِ ناطحةُ السحاب تلك عبارة عن لبنة توضع فوق لبنة كساعةٍ مستقطعة من حياتك تتعاهدها بالجهد والبذل لتجد حصادها بركةً ونفعاً وأجراً.
ختاماً:
الله هو مولاك نعم المولى ونعم النصير ونفسك.
وعلاقاتك كلها أركانٌ تأوي إليها، مواطنٌ بمثابةِ ملاذٍ لروحك الهائمة، تجدُ في كلِ ركنٍ طمأنينة.
وحياتك ميزانٌ فحاول بالوعي أن توازن بين مجالات حياتك حتى لا ترجح كفّة على أخرى.

الكاتبة / أفنان جميل أحمد

‫4 تعليقات

  1. بعد السلام استاذة افنان بوركتي وبورك قلمك طرح مميز ..يحلق بالقارئ بعيدا ..وكلامك ملامس للواقع نعم والله كثرة الاختلاطات بالناس وتضيع الوقت بالغث والسمين تجلب الامراض الروحيية وعلاجها خلوة مع الله سبحانه ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى