أوراق مهاجرة

علي بن عيضة المالكي
أوراق مهاجرة
وفي بعض الأحايين تتذكر تلك التضحيات التي نثرتها على رؤوس الناس تنظر إليها بحسرة بالغة وكأنها حبات دقيق فلم يعد لديك القدرة على جمع شتاتها فأنت كما يقال أصبحت شقيًّا ووصلت مرحلة التعاسة بفضل عطائك المسكوب على أرض قاحلة.
حين يغدق الإنسان في العطاء ،ويمنح وقته وماله ويكرس جهده من أجل أن يرى الذين يعيشون حوله في منتهى الاكتفاء هو بذلك يطلق على نفسه رصاصة الرحمة.
يتعين عليه أن يفهم الاستراتيجية التي تقوم عليها الحياة ،فالحياة لعبة كما يحلوا للرأسماليين أن يطلقوا عليها .
هي مجرد لعبة نفعية تقوم على الإغراق في توازن المشاعر والمحافظة على رمزية القيم بحيث تصبح مؤشرًا يقتات عليه المرء حتى لا تنساب منه قوته ومكانته كالماء من بين الأصابع وحتى لا يقع فريسة لأفكار الآخرين ورهينة تحت رحمتهم هذا إن وجد الرحمة في قلوبهم!
إذن ينبغي له بعد هذا ألا يقع في مصيدة التضحيات غير المدروسة، ويدرك الأمور على حقيقتها، بالتأكيد يجب أن يكون ذكيًّا يستثمر في نفسه ومن أجل نفسه ولا يمنع في أن يستغل الظروف لمصلحته ليحدث بعدها التوازن النفعي حتى تستقيم حياته ثم يجيء فيما بعد التركيز على العطاء من أجل الآخرين.
إنّ قيم النبلاء لم تعد صالحة للاستهلاك النفعي، فإن أراد الفرد التقدم في حياته العلمية ويصنع له مكانة اجتماعية وبرتقي في جانبه الاقتصادي ويحافظ على أمنه النفسي عليه أن يتعلم قواعد اللعبة، نقصد بذلك لعبة الحياة يصورها ببساطة بعيدًا عن الحيلة، وأقرب إلى الوضوح مع النفس.
قد لا يفهم البعض ما يحدث هنا من تحليل فلسفي لما نريده، لكن الذي يدفعنا للاهتمام بأنفسنا أكثر هي تلك التضحيات التي أقلعت من مدارج الاحساس باندفاعية مطلقة ثم هبطت اضطرارًا في أماكن متصحرة لم يكن فيها ما يساعد على العيش بسلام وحرية وأمان.
كثيرة هي المواقف التي تمر على الإنسان يصادف في حياته الكثير والعديد منها يسكب فيها مشاعره من أجل آخرين ثم يصطدم بالواقع المرير حين يكشف ذلك الواقع عن وجهه الآخر فيحولك من شخص غُمرت نفسه بالوفاء والعطاء إلى مجرد هيكل استنزفت كل طاقته وتسربت منه كل قوته وأغلب سطوته وجل مكانته التي كانت مكتنزة في خلايا جسده وفكره.
نحن في هذا نحث على التمسك بالقيم والأخلاق ولكن بصورة رمزية، فالطيبة الزائدة لا تنفع في كل مكان ولا تنفع مع جميع البشر، ربما تؤدي تلك الطيبة وتلك التضحيات إلى التعدي على الحقوق والممتلكات، يمكن أن يفقد فيها المجتمع أنظمته ، وتضيع الحقوق ، وتصادر الآراء ، وتقمع الحريات وتشوه السمعة.
الذي نود قوله ذلك الموقف الذي حصل في التعدي على رجل الأمن داخل حدود الحرم النبوي من قبل إحدى الزائرات للحرم ، لقد سمحت لنفسها بأن تعتدي على رجل أمن يقوم بمسؤوليات ومهام عظيمة كلف بها من أجل راحة وجودها ، ولكنها في اعتدائها عليه أشعرت الكل أن لديها الاستطاعة على توجيه الإهانة لجهاز الأمن في أي وقت وفي أي مكان وهذا تعد سافر لمكانة رجال الأمن الذين يقومون بواجبهم الديني والوطني.
لقد ساءنا ما شاهدنا من اعتداءات، وتجاوزات في الحرمين الشريفين خلال شهر رمضان المبارك من قبل فئات معينة لها أجندات ولها غاياتها التي أتت من أجلها.
نعم لقد أتى البعض لتنفيذ دسائس ومؤامرات يريد بها شرًّألا خيرا، فسمحوا لأنفسهم باستباحة أماكن المصلين ،وقاموا بافتراش الساحات وكأنها وضعت من أجلهم حتى يناموا ويستيقضوا كيفما يريدوا، فضلاً عن التجاوزات في الشراب والوضوء والتعامل غير اللائق مع الأنظمة والقوانين التي وضعتها الدولة من أجل سلامة المعتمرين والزائرين لأعظم بقعتين على وجه الأرض.
قبل أن نختم ينبغي توجيه رسالة لكل شخص وطئت قدمه ثرى هذه الأرض الطاهرة ينبغي أن يفهمها ويستوعبها ويدرك معناها أنها أرض ليست مستباحة، وأن لها قادة ورموز يحكمون بالعدل والإنصاف وهناك شعب قد أكرمه الله بالقيم والشيم والأخلاق لكن يجب الحذر من غضبهم، صحيح هم حكام حكماء وتأخذهم الرحمة والعطف إنما على الجميع أن يفهم المقصد من التضحيات التي تقدمها الدولة السعودية وحكامها ورجال الأمن فيها وشعبها الأبي الكريم فلا أحد يحاول أن يستفز الهدوء من أجل التخلي عن التسامح والسلام إلا شخص لديه توهم ويضع نفسه في مآزق لن تسره على المدى القريب والبعيد.