كُتاب الرأي

أهذا جزاء القنديل!!

 

أهذا جزاء القنديل!!

ما تتعرض له شريحة المعلمين والمعلمات من هجمات شرسة، ممنهجة، ومرتب لها بعناية، أمر غير مقبول ، وشيء فوق مستوى طاقة البشر، فإن ذهبت للتقصي، والبحث عن الأسباب فإنك لن تجد مبررًا واحدًا قد يفيدك لأن تضعهم تحت المجهر المعطوب ، نعم المجهر المعطوب ذو العدسة المكسورة.
أتمنى أن نجد جوابًا مقنعًا، على الأقل نشعر أن ما يتعرض له أولئك المغلوب على أمرهم يستحقون هذا الكم الهائل من السّحق، والتندر، والاستهزاء، والسخرية، وكيل الاتهامات، ورمي المكائد.
تساؤلات كثيرة ، وأسئلة لا حصر ولا عدد لها تضعنا في خانة الدهشة.
ما السر الخفي وراء كل هذه الهجمات؟
لم كل هذه الكراهية؟
ما سبب هذه الضغائن القائمة ضد هذه الشريحة المحترقة؟
لم كل هذا التكالب على هؤلاء المقهورين؟
أليس هناك من يظهر على الملأ يمنع هذا الموج القاتل من الهجمات الموجهة ضد أصحاب الفضيلة والرسالة ؟ نعم لم كل هذا الصمت عمّا يجري لقضاة الميدان ؟
لماذا يُكسر القنديل الذي يضيء لنا الطريق؟
المشكلة الكبرى التي لم نجد لها تفسيرًا واضحًا أنّ ما يدور ضد المعلمين والمعلمات لا يستند على نظريات، أو أدلة، أو براهين دامغة تؤكد فسادهم أخلاقيًا أو مهنيًّا أو حتى أدبيًا!!
فأغلبهم حاصل على أعلى الدرجات العلمية ، وأفضل اللغات الأجنبية ، وأرفع المستويات الأكاديمية والمهنية والتدريبية ، بل أن خدماتهم السامية تمتد لأبعد من هذا ، فتجدهم أعضاء نافعين خارج المجتمع المدرسي ، تصل إلى التطوع ، وإصلاح ذات البين ، وتقديم الدعم والمساندة لكل قطاعات الدولة ، لا تتوقف محبتهم لدينهم وولائهم لوطنهم وطاعتهم لقيادتهم عند نقطة اللاحراك، بل تتقافز أدبياتهم لتشمل أغلب القطاعات في التتظيم والتخطيط ، وإقامة الفعاليات التي تحث على التطوير والتحسين والتغيير .
هم فئة فاعلة ،وغالية ، ومتعاونة ، فئة لطيفة تدعو إلى السلام ، ليس بإيديهم سوى أقلامهم التي ابتاعوها من المكتبات ، ولا يوجد في حوزتهم سوى أجهزتهم اللوحية ، وتجهيزاتهم المكتبية التي اقتنوها لأنفسهم فتحولت إلى وسائل تعليمية يشرحون عليها موادهم التدريسية ، يحملونها معهم ليل نهار، يدخلون إلى مقر العمل مكتنزين بالعلم والأدب والأخلاق وفوقها محفزات لأبنائهم الطلاب فلا تكاد ترى معلمًا أو معلمة إلا وفي يده هدية قيمة ، أو حلوى ، أو لعبة كلما أجاب تلميذ أو تلميذة إجابة صحيحة قدم له ذاك الحافز رغبة في أن يرفع من جاذبية الحصة الدراسية ، ومؤكدًا موقفه الأبوي منهم ومحبته لهم.
يجلبون معهم أدواتهم غير آبهين بالخسارة، يتحملون فوق طاقتهم تجدهم يعطون دروسهم والبعض يمر بأقسى تجارب الحمى والوعكات الصحية ، تنتشر في هذه الفئة الغالية أمراض السكر والضغط والقلب ولكنك تجدهم صامدين لا يكلون ولا يملون ، يعطون ولا ينتظرون المقابل ، يحترمون أنفسهم ، وميثاق شرف المهنة.
إن كل ما يظهر من حملات ضد هذه النواة الهامة في المجتمع والتحفيز السلبي المعاكس تجاه هذا المعشر نعتقد أنه لا يخدم المستقبل البعيد للتعليم ، والتربية ، ولا يساعد على بناء مجتمعات نقية قائمة على العلم والمعرفة والاحترام المتبادل، فالمعلمون والمعلمات عملة نادرة في زمن قل فيه الولاء للمهنة وكثر الاهتمام بالوظيفة.
بربكم ما الذي يجري معهم؟
ماذا صنعوا حتى يتعرضوا لهذا الألم وهذه الهجمة القاسية؟
لم هذا الصمت من وزارة التعليم ؟
لماذا لا تدافع وزارتهم عنهم؟
أمر حار فيه أهل الحكمة ولم يجدوا تفسيرًا لما يحدث لهم؟
أمر غريب الذي يصير مع هذه السبائك الذهبية!!
هل هذا ثمن رد الجميل ؟
يأتي التلميذ إلى المدرسة فيلقى من يستقبله أجمل استقبال قد لا يجده حتى في منزله ، ثم ترتد في صدره سهام الجحود ونكران المعروف!!
يأتي الطالب إلى مدرسته ثم يجد من يربط له رباط حذائه وقد لا يجد ذلك في بيته!!
يقف هذا النبيل منتظرًا تحت أشعة الشمس مناوبًا تاركًا أبناءه من صلبه لساعات طوال ، حتى يصل ولي الأمر فيستلم أمانته.
قد ينبري أحدهم ليقول هذا عمله وهذه مسؤوليته! نعم هذا عمله ، لكن العمل الذي يتفانى فيه الإنسان ولا يحصد وراءه إلا نقاط الملامة ، ثم أحاديث الفوقية، يعد عملاً خاليًا من المعنى، عملُ بائس،لا ثمن ولا كرامة ، ولا حتى إحساس بأهمية ما يصنع.
يأتي البعض منهم وهو لا يملك مصروفًا، أو قد يكون فقده ، أو سقط منه ثم يجد من يعطيه المصروف اليومي من أحد آبائه المعلمين ، أو أمهاته المعلمات.
بربكم لم كل هذا الذي يجري بحق المعلم والمعلمة؟
ما الذي اقترفوه حتى يُفعل بهم هذه الفعائل ؟
إن الأمم لا تتقدم ولا تتحضر إلا بعلمائها، ومؤسسات التربية، والتعليم، ولا تتطور إلا بجامعاتها ودور العلم ، ومعاهد صناعة الفكر.
المعلم مؤسس قوي في بناء المجتمعات، فإن أريد إضعافها، وتفريغ محتواها من النور، وتجريدها من المكانة، وإسقاط هيبتها فإن أول ما يتم استهدافه هو المعلم والمعلمة على حد سوا.
يتم استهدافهم في أخلاقهم، وأمانتهم، وإخلاصهم، بل يمتد ذلك إلى قيمهم في الصدق والوفاء لعملهم، والدخول في نواياهم.
ليس ذنبهم أنهم انكبوا على العلم ، والمعرفة، وبحثوا عن نواتج تعلم، وحققوا مستهدفات عالية ، ووصلوا إلى غايات رفيعة.
ليس ذنبهم هذه الاستماتة في سبيل الرقي بالمستوى التربوي والسلوكي لأبنائهم الطلاب.
كل ذنبهم أنهم أصبحوا معلمين ومعلمات يحملون شعلة في أيديهم شعارهم يقول للجميع :إنها رسالة الأنبياء.
انتهى

علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

‫4 تعليقات

  1. كاتبنا المبدع أستاذ علي
    لافض فوك وجزيت خيرا على دفاعك عن إخوانك وأخواتك المعلمين والمعلمات👍فمن خلال مقالك هذا اتسعت و وضحت الرؤية حول التحديات التي يواجهها المعلمون .
    فمن الضروري تسليط الضوء على الجهود والتضحيات التي يقدمها هؤلاء القضاة في الميدان .
    طرحك للأسئلة حول الصمت والظلم يساهم في إحداث وعي أكبر بأهمية دور المعلم في المجتمع .
    نحتاج إلى مزيد من النقاشات مثل هذه لدعم المعلمين وتعزيز مكانتهم👍

    1. أكثر من ضحى ومازال يضحي بوقته وجهده وماله وصحته هم هذه الشريحة النفيسة غالية الثمن.
      سبائك الذهب المعلمون والمعلمات.
      شكرًا، سعادة مديرة التحرير على وقوفك معنا ودعمك المستمر.

  2. لافض فوك وسلم فكرك وحرفك وبارك الله قلمك وعلمك ونصرك الله وايدك بالحق… أنصفتنا بحرفك.. واسعدتنا بدعمك….. كلماتك تثلج الصدر وتشحذ الهمة… لاخوف ولاضير مادام في المجتمع من يرانا مشاعل النور مثلك… 🌹

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى