كُتاب الرأي

أنانية العصر

أنانية العصر

رؤى مصطفى

في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، برزت الأنانية وكأنها صفة عصرية، حتى باتت واضحة في سلوك بعض الناس.

تراهم يسعون لأن يأخذوا كل شي وكأن خدمات الآخرين حق مكتسب لهم، بينما لا يقدمون في المقابل حتى ١٪ من ردالجميل.

وكأن قاعدة التوازن التي تحفظ العلاقات الإنسانية قد اختلت لتحل محلها نزعة فردية لا ترى سوى نفسها.

قد يتبادر للذهن أن وسائل التواصل هي التي صنعت هذه الأنانية، لكن الحقيقة أنها لم تصنعها بقدر ما كشفتها.
هي مرآة عاكسة لما يختلج في النفوس، تُظهر بوضوح ما كان يُمارَس في الخفاء من أنانية أو إهمال للآخرين.
لذلك، لا يمكن إلقاء اللوم كله على التقنية؛ فالجذور أعمق، تعود إلى التربية الأولى، والظروف التي مربها الإنسان في حياته.

من نشأ في بيئة افتقرت إلى الحب أو التقدير، قد يخرج للحياة وهو يطلب كل شي لنفسه، عاجزًا عن إدراك قيمة العطاء المتبادل.

ومن تعرض لخيبة أو استغلال، قد يختار أن يُغلف نفسه بقشرة أنانية، يخفي بها خوفه من التكرار.
وهنا يظهر أن السلوك ليس دائمًا صفة مطلقة، بل قد يكون رد فعل أو آلية دفاعية.

مع ذلك، يبقى السؤال الأهم: كيف نتعامل نحن مع هذه الفئة من الناس؟
من الطبيعي أن نتعامل بالصفاء والنية الخالصة، فهذا ما يُعبر عن معدننا وقيمنا.

لكن الصفاء ليس إذعانًا، ولا يعني أن نُسلم أنفسنا للاستنزاف.

فالعطاء قيمة عظيمة، لكنه يصبح عبئًا إن لم يُقابل بالعرفان.

لذا، حين نصادف من يأخذ دون أن يُقدر فإن البُعد عنه غنيمة تحفظ أرواحنا من التلوث، وتُبقينا أوفياء لأنفسنا قبل أن نكون أوفياء لغيرنا.

الأنانية إذن ليست مجرد نتيجة لعصر رقمي، بل مزيج من جذور نفسية وتجارب حياتية، كشفتها وسائل التواصل وأبرزتها.

ومع ذلك، تبقى مسؤوليتنا أن نُوازن بين الصفاء والحكمة: نعطي بصدق، لكن نعرف متى نتوقف.

لأن حماية القلب من الاستنزاف شكل آخر من أشكال العطاء، لكنه هذه المرة موجه لأنفسنا🕊️

كاتبة رأي

 

رؤى مصطفي

كاتبة رأي ومستشارة إعلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى