أقنعة المصالح: عندما يصبح النفاق عملةً اجتماعية

فاطمه الحربي
أقنعة المصالح: عندما يصبح النفاق عملةً اجتماعية
في مجتمعاتنا اليوم، تتشكل العديد من العلاقات على أسس المصالح المتبادلة، حيث يعتمد الأفراد على بعضهم البعض لتحقيق أهداف معينة. ورغم أن تبادل المصالح بحد ذاته ليس عيبًا، إلا أن المشكلة تنشأ عندما يتحول الأمر إلى تلاعب ونفاق مجتمعي، حيث يصبح التظاهر بالمودة أداة للوصول إلى الغايات بدلًا من أن يكون تعبيرًا صادقًا عن الاحترام والتقدير.
علاقات قائمة على المصلحة أم على النفاق؟
المصالح المشتركة يمكن أن تكون عاملًا إيجابيًا يعزز التعاون بين الأفراد، سواء في العمل أو في الحياة الاجتماعية. ولكن عندما يصبح الهدف الوحيد هو الاستفادة الشخصية دون أي اعتبار للقيم أو المبادئ، يتحول الأمر إلى استغلال مغلف بالمجاملات المصطنعة والتصنع الزائف.
كم مرة وجدنا أشخاصًا يتظاهرون بالاهتمام والصداقة فقط لأنهم بحاجة إلى خدمة أو مصلحة؟ وكم من العلاقات تنهار فور انتهاء الفائدة المرجوة منها؟ هذا النوع من النفاق المجتمعي يجعلنا نتساءل: هل نحن نتعامل مع أشخاص صادقين، أم مجرد ممثلين بارعين يرتدون الأقنعة المناسبة لكل موقف؟
النفاق المجتمعي: الوجه الآخر للمصالح
النفاق الاجتماعي لا يقتصر على العلاقات الفردية فحسب، بل يمتد إلى بيئات العمل، السياسة، وحتى بعض المؤسسات. في كثير من الأحيان، نجد أن المجاملات المبالغ فيها والتصنع في التعاملات أصبحت أدوات للوصول إلى النفوذ أو تحقيق مكاسب معينة، دون وجود مشاعر حقيقية تدعم هذه العلاقات.
يصبح النفاق هنا وسيلة للتسلق الاجتماعي أو المهني، حيث يتظاهر البعض بالولاء والاحترام فقط لأن ذلك يخدم أهدافهم، وعندما تنتفي الحاجة، يتغير الموقف تمامًا. هذا السلوك يخلق بيئة مليئة بعدم الثقة، حيث يصبح من الصعب التمييز بين الصدق والتلاعب.
لماذا أصبح النفاق شائعًا في مجتمعاتنا؟
هناك عدة عوامل تساهم في انتشار هذا النوع من العلاقات، منها:
1. الثقافة المجتمعية: بعض المجتمعات تشجع على المجاملات الزائدة ولو كانت خالية من الصدق، مما يجعل النفاق سلوكًا مقبولًا أو حتى مطلوبًا أحيانًا.
2. المصالح الاقتصادية والمهنية: في بيئات العمل، قد يضطر البعض للتملق أو التظاهر بالمودة للحصول على ترقية أو للبقاء في دائرة النفوذ.
3. الخوف من المواجهة: كثير من الأشخاص يفضلون التظاهر بالموافقة أو إظهار مشاعر غير حقيقية لتجنب الصدام أو المشاكل.
4. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي: حيث أصبحت الصورة التي نعرضها للآخرين أكثر أهمية من حقيقتنا الفعلية، مما يعزز التصنع والتظاهر.
كيف نواجه هذه الظاهرة؟
ليس المطلوب هو التخلي عن المصالح المشتركة، ولكن من المهم بناء العلاقات على أسس من الصدق والوضوح، بحيث تكون المصالح وسيلة للتعاون وليست أداة للاستغلال. يمكننا مواجهة النفاق المجتمعي من خلال:
• التعامل بشفافية: لا داعي للمجاملات المصطنعة، بل يمكننا التعبير عن آرائنا بلباقة دون تزوير مشاعرنا.
• التفريق بين المصلحة المشروعة والنفاق: من الطبيعي أن يكون هناك تبادل للمصالح، لكن دون أن يتحول الأمر إلى تملق أو خيانة للقيم.
• بناء علاقات قائمة على الاحترام الحقيقي: الصداقات والشراكات الناجحة هي تلك التي تستمر حتى عندما لا يكون هناك مصلحة مباشرة.
• عدم الانسياق وراء ثقافة “التصنع”: في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، علينا ألا ننجرف وراء التظاهر بحياة أو علاقات مثالية لمجرد الظهور أمام الآخرين.
وفي الختام
إن المصالح جزء لا يتجزأ من حياتنا، ولكن الفرق بين التعاون والنفاق يكمن في النية. العلاقات التي تُبنى على الاحترام الحقيقي والمصالح المتبادلة بشفافية تدوم، بينما تنهار تلك التي تقوم على النفاق بمجرد انتهاء الفائدة. في النهاية، لا أحد يحب أن يكون مجرد محطة مؤقتة في حياة الآخرين، بل نسعى جميعًا لعلاقات تُبنى على الصدق قبل أي شيء آخر.