كُتاب الرأي

“أزهر رغم كل شيء”

“أزهر رغم كل شيء”

✍🏻سلوى راشد الجهني :

في عالم يمتلئ بالتقلبات والتحديات، يصبح الحفاظ على نقائك وقيمك نوعًا من البطولة الصامتة. حين تواجه الحسد، والخذلان، والوشايات، والمواقف الجارحة، وتظل رغم كل شيء معطاءً، مبتسمًا، ثابتًا، فإنك لم تنجُ فقط، بل ازدهرت.

قد تمر بك مواقف يضيق لها صدرك وتدمع لها عينك، وربما تتساءل: كيف أُقابل كل هذا الظلم بابتسامة؟ كيف أستمر بالعطاء رغم النكران؟ كيف أواجه الحاقدين بحُسن نية؟ إن السر لا يكمن في العالم من حولك، بل في ما اخترت أن تكونه في داخلك. كل موقف سلبي يواجهك هو اختبار لثباتك لا لشخصك. فحين تختار ألّا ترد الإساءة بالإساءة، بل بالصمت والثقة، فإنك تُعلن أنك أكبر من أن تنجرَّ للرد، وأرقى من أن تُشبههم.

العطاء رغم الجحود هو نبل، والتسامح رغم الألم هو رُقيّ، والاستمرار رغم الانكسارات هو انتصار. لا تتوقف عند كل حجر يُقذف نحوك، بل اجعله دافعًا لتعلو. ولا تلتفت لمن يقللون من قدرك، فالله مطّلع، وعادله لا يغفل. كثير من الناس لا يعرفون قيمة ما تقدمه، ولا يشعرون بعمق ما تحمله، لكنّك لا تعمل من أجلهم، بل من أجل ذاتك، ومن أجل الله الذي لا يضيع أجر المحسنين.

حين تُواجه الغيبة بالابتسامة، فأنت لا تنكر الألم، بل ترفض أن تُهزم به. وحين تتجاوز عن الهفوات، فأنت لا تنسى، بل تختار السلام الداخلي على الضجيج. لا أحد يعيش بلا ألم، ولكن العظماء وحدهم هم من يصنعون من أوجاعهم سلالم نحو النضج والنور.

لا تنتظر إنصاف الناس، ولا تتوقف عند كل قهر، ولا تبكِ طويلًا عند كل خذلان. ما فات، مضى، وما أوجعك، أنضجك. وابتسامتك الآن هي إعلان حياة، لا خضوع. امضِ في طريقك، وازرع خيرًا، ولو لم تجد له موضعًا، فربك كريم، وعدله لا يتأخر، وخيرك سيعود، وإن طال الطريق.

ازهر رغم قسوة الظروف، وازدهر رغم كثرة السهام. كن كما أنت، صافياً، ثابتاً، صبوراً. لا تتغيّر لأنهم تغيروا، ولا تتصاغر لأنهم تطاولوا. عش لله، ولما تؤمن به، ولمن يعرف قيمتك وإن لم يكن حولك الآن. وتذكر دومًا أن النور الحقيقي لا يولد في الضوء، بل يشعّ من عمق الظلمة.

“يزهر القلب الصادق، حتى في تربة الخذلان، لأن النقاء لا يُهزم وإن كثرت حوله الأشواك.”.

كاتبة رأي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى