أرواح قريبة في عالم بعيد

في عالم مليء بالوجوه والقيم المتعددة، قد نجد أنفسنا نميل إلى أشخاص لم نلتقِ بهم أبدًا ولم نعرفهم إلا عبر شاشات، كتب، أو حتى أحلام. قد تكون هذه الشخصيات شخصيات مشهورة، أصدقاء افتراضيين، أو أشخاصًا عرفناهم من خلال رسائل أو كلمات عابرة. لكن ما الذي يجعلنا نميل إلى هؤلاء رغم غياب التواصل الواقعي؟
الارتباط بشخص لم نره قد يبدو غريبًا، ولكنه يعكس حاجة إنسانية عميقة للتواصل والانتماء. أحيانًا، نجد في هؤلاء الأشخاص انعكاسًا لما نفتقده في حياتنا الواقعية؛ ربما يشاركوننا اهتماماتنا أو يعبرون عن أفكار نود لو قلناها نحن. يشعر الإنسان بالأمان مع من يفهمه، حتى لو كان هذا الفهم يأتي عبر كلمات مسموعة أو مكتوبة فقط.
عندما نميل إلى شخص لم نره، نميل إلى رسم صورة مثالية له في أذهاننا. نخلق تفاصيل تكمل الصورة بناءً على انطباعاتنا الأولية، ونمنحه سمات قد تكون من خيالنا. هذا الميل يعكس حاجتنا إلى الكمال أو البحث عن نموذج يلهمنا، لكن هذه الصورة قد لا تعكس الحقيقة دائمًا.
في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل أن نتواصل مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم. قد نتابع شخصيات تلهمنا عبر منشوراتهم أو مقاطع الفيديو التي يشاركونها. هذا النوع من العلاقات قد يبدو حقيقيًا في عيوننا، لأنه يثير فينا شعورًا بالقرب، خاصة عندما يتحدث هؤلاء عن مواضيع تؤثر فينا بشكل مباشر.
تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في جعلنا نميل إلى شخصيات معينة، خاصة عندما تُقدم بطريقة مثالية. نجد أنفسنا ننجذب إلى قصص نجاحهم، قضاياهم الإنسانية، أو حتى ابتساماتهم العفوية. عندما نتعاطف مع هذه الشخصيات، نشعر وكأننا نعرفهم شخصيًا، وهذا الميل يعزز ارتباطنا بهم.
الميل لأشخاص لم نرهم قد يكون مصدر إلهام ودافعًا للتطور، لكنه قد يتحول أحيانًا إلى هوس أو إحباط عندما نتعلق بشدة بشخص لا يمكننا الوصول إليه. من المهم أن نميز بين الإعجاب الصحي الذي يدفعنا إلى النمو وبين التعلق الذي قد يعزلنا عن الواقع.
السر يكمن في التوازن. يمكننا أن نسمح لأنفسنا بالإعجاب بأشخاص يلهموننا أو يدفعوننا للتفكير بطريقة مختلفة، لكن دون أن نفقد الاتصال بالواقع. يجب أن نركز على بناء علاقات حقيقية مع من حولنا، لأن التواصل الحقيقي هو ما يغذي روحنا بشكل مستدام.
نميل إلى الأشخاص الذين يشبهوننا أو يكملوننا بطريقة ما، سواء كنا نعرفهم أم لا. هذا الميل جزء من الطبيعة البشرية، لكنه يصبح ذا قيمة أكبر عندما نستخدمه كأداة للإلهام والنمو بدلاً من أن يتحول إلى مصدر للانعزال أو الوهم. تظل الحقيقة الأهم أن العالم مليء بأرواح قريبة، بعضها نراه يوميًا وبعضها نعرفه عن بعد، لكن في النهاية، القرب الحقيقي يأتي من فهمنا لأنفسنا قبل كل شيء.
معلا السلمي
كاتب رأي