كُتاب الرأي

الكشافة المصرية.. وفاءٌ للرعيل الأول وقدوة عربية في حفظ الجميل

 

الكشافة المصرية.. وفاءٌ للرعيل الأول وقدوة عربية في حفظ الجميل

في أمسية من أمسيات الوفاء التي لا تُنسى، كنت ضيفاً على نخبة من قامات الكشافة العربية، من الإخوة القادة والأساتذة الكشفيين في جمهورية مصر العربية، على هامش إحدى المناسبات الكشفية التي أقيمت في القاهرة؛ كان لقاءً استثنائياً لا يشبه غيره، لقاءً امتزج فيه التاريخ بالحاضر، والعرفان بالجميل وبالتقدير العميق، وجدت نفسي فيه بين جيلٍ من الرواد الأوائل الذين أرسوا قواعد الحركة الكشفية، وأسهموا في نهضتها، وتركوا بصمات لا تُمحى في سجلها العربي والعالمي.
ما شدني وأثار في نفسي الإعجاب والتقدير هو ذلك الحس العالي بالوفاء الذي تجسده الكشافة المصرية تجاه روادها ومؤسسيها. فما زالت مصر الكشافة، كما عهدناها، تُكرم الرواد وتحتفي بهم، في كل محفل رسمي أو لقاء ودي، وتمنحهم ما يستحقونه من تقدير وامتنان، إدراكاً منها أن من لا يحفظ فضل من سبقوه لن يفلح في بناء حاضر أو مستقبل.
إنها لظاهرة نادرة تستحق الإشادة، في وقت غابت فيه تلك الروح في كثير من الأقطار، حيث لم يعد لرواد الكشافة الأوائل – في بعض الدول – ذكر أو مكان، وغُيّبوا عن المشهد دون مبرر واضح، إما عمداً أو إهمالاً، حتى باتوا في طي النسيان، رغم أن التاريخ الكشفي يشهد لهم بالعطاء والبذل والتفاني؛ فلا مَن سأل عنهم، ولا من تذكر فضلهم، وكأن عجلة الزمن تجاوزتهم دون رحمة.
لذلك، يجب أن نرفع القبعة للكشافة المصرية، فهي لم تكتفِ ببناء أجيال كشفية متعاقبة، بل حرصت على ربط تلك الأجيال بجذورها الأصيلة، بروادها الأوائل الذين ما زالوا يجدون فيها التقدير والتكريم، وما زالت أصواتهم تُسمع، وخبراتهم تُستثمر، وتاريخهم يُروى للأجيال؛ وهو نهج نأمل أن تحتذي به باقي الروابط والجمعيات الكشفية، لا سيما في بعض دولنا العربية التي لم تعد تتسع لبعض كبارها، إما لضيق في الأفق أو لجهل بأهمية التاريخ.
على روابط الرواد والجمعيات الكشفية التي لا زالت لها علاقة بهم أن تعيد الاعتبار للرواد، وأن نفتح لهم الأبواب، لا أن نغلقها في وجوههم؛ فالوفاء للرواد ليس ترفاً، بل واجب، وهم أحق من تُسلَّط عليهم الأضواء، لا أن تُهدر على فعاليات جوفاء لا تمت للكشفية بصلة، ولا تقدم شيئاً للمجتمع ولا للأجيال.
إن ما شاهدته في الكشافة المصرية هو تجسيد حي لما يجب أن تكون عليه الكشافة العربية: حركة مبنية على قيم الوفاء، لا على مظاهر الأضواء؛ ولنعترف بصراحة، الدائرة تدور، وما نفعله اليوم مع من سبقونا، سيُفعل غداً معنا، فلنزرع الوفاء لنحصد المحبة.
فلنتخذ من الكشافة المصرية قدوة، ولنُعِد قادتنا وكبارنا إلى الساحة، لأنهم يستحقون، ولأن الكشفية لا تكون كاملة بدونهم.
 

مبارك بن عوض الدوسري

@mawdd3

مبارك عوض الدوسري

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى