*أحلام أبنائنا بين قيود القياس وتشتت منصة القبول الموحد*

*أحلام أبنائنا بين قيود القياس وتشتت منصة القبول الموحد*
بقلم: محمد عمر المرحبي
لا تزال منظومتنا التعليمية بحاجة إلى مراجعة عميقة، فكم من طالبٍ تفوّق في دراسته المدرسية، وحقق معدلًا كاملًا أو قريبًا من الكمال في الثانوية العامة، ثم وجد نفسه أمام صدمة حين واجه نتائج متدنية في اختبارات القياس والتحصيلي. لقد تحولت هذه الاختبارات من وسيلة يفترض بها أن تقيّم التحصيل العلمي إلى عائق نفسي واجتماعي يحرم أبناءنا من تحقيق أحلامهم.
إن معاناة أبنائنا تكمن في الفجوة بين المنهج الدراسي الذي أمضوا سنوات في حفظه وفهمه، وبين طبيعة أسئلة القياس والتحصيلي التي تخرج كثيرًا عن نطاق ما تعلموه، وتطرح مسائل معقدة أقرب إلى الألغاز. وبدل أن تكون هذه الاختبارات معيارًا عادلًا لقياس مستوى الطالب، أصبحت أداة لإقصائه عن التخصص الذي سعى إليه سنوات طويلة، مما يولّد الإحباط ويزرع شعورًا بالظلم في نفسه.
ولا يقف الأمر عند الاختبارات وحدها، بل يمتد إلى منصة القبول الموحد التي كان الهدف منها توسيع فرص القبول وتسهيل الإجراءات، لكنها في الواقع أفرزت سلبيات واضحة. فقد قُبلت طالبات في جامعات بعيدة عن مقار سكنهن، مما اضطرهن إلى السفر والغربة رغم توفر جامعات قريبة في مناطقهن. وأصبحنا نرى من يسكن في الشرق يُقبل في الغرب، ومن يسكن في الغرب يُقبل في الشمال أو الجنوب، وهكذا في مختلف الجهات. وهو أمر يثقل كاهل الأسر ماديًا ومعنويًا، ويضع أبناءنا أمام تحديات لا مبرر لها.
إن الآثار النفسية لهذه السياسات التعليمية لا تقف عند الطالب فحسب، بل تمتد إلى الأسرة بأكملها. فالأب والأم يريان ثمرة سنوات من التربية والدعم تتبخر أمام أعينهما، ويجدان ابنهما أو ابنتهما مجبرًا على الالتحاق بتخصص غير مرغوب فيه أو جامعة بعيدة عن موطنه. وهنا يتولد الإحباط واليأس، وقد يتحول ذلك إلى عزوف عن الإبداع وشعور بالنقص مقارنة بالآخرين.
التعليم في جوهره ليس مجرد أرقام تُسجَّل في ورقة، بل هو بناء إنسان وصقل شخصية وإعداد جيل قادر على مواجهة الحياة. فكيف لنا أن نُقيّم طالبًا قضى اثنتي عشرة سنة بين مقاعد الدراسة من خلال ساعات قليلة، أو نرهن مستقبله باختبار لا يعكس جهده الحقيقي؟ وكيف نرضى أن نشتت أبناءنا في أصقاع الوطن بحجة التوزيع العادل، بينما العدالة الحقيقية تقتضي أن يُتاح لكل طالب مقعد مناسب في منطقته أولًا؟
إن المطالبة اليوم ليست بإلغاء التقييم أو القبول الإلكتروني، ولكن بإعادة النظر في آليات القياس ومنظومة القبول بحيث تكون أكثر ارتباطًا بالمناهج الدراسية، وأقرب إلى الواقع التربوي والاجتماعي، وأعدل في مراعاة الجهد المبذول عبر سنوات طويلة. نحن بحاجة إلى مقاييس عادلة وأنظمة قبول أكثر مرونة تراعي مصلحة الطالب والأسرة معًا.
إن مستقبل شبابنا أمانة، ومن حقهم أن يجدوا نظامًا تعليميًا يقيس قدراتهم بإنصاف، ويتيح لهم فرصة متابعة أحلامهم دون أن تتحطم على صخرة اختبار أو تتبدد على طريق سفر وغربة لا مبرر لها. إن إعادة النظر في هذه الاختبارات وهذه المنصة ليست ترفًا، بل مطلب تربوي ومجتمعي عاجل، إذا كنا حقًا نريد أن نبني جيلاً واثقًا، متوازنًا، ومؤهلاً لنهضة الوطن.
كاتب رأي