كُتاب الرأي

أثر التسامح في تعزيز قيم الوطنية والاعتدال والوسطية

 

أثر التسامح في تعزيز قيم الوطنية والاعتدال والوسطية

بلا أدنى شك فإنّ التسامح فضيلة من الفضائل العظيمة التي تدعو إلى نبذ الكراهية والحقد والبغضاء وغرس قيم الحب والسلام والوئام في النفوس ونشرها من أجل التخلي عن العنف، من أجل التخلي عن التوحش الاجتماعي، من أجل القضاء على الآثار النفسية والأخلاقية التي يمكن أن تحصل جرّاء استخدام ما يخالف قيم التسامح.
في شهر نوفمبر من كل عام ميلادي في اليوم السادس عشر منه يحتفل العالم باليوم الدولي للتسامح هذا اليوم الذي يجتر معه الكثير من المفاهيم والعديد من المصطلحات وعدد ليس قليل من الأدوار الإعلامية، والتربوية، والإنسانية، والفكرية، والاجتماعية، والوطنية.
نعم إنه كذلك يستحضر العالم أجمع تلك المنطلقات فيعمل الكل من أجل نشر هذه الميزة المتعاظمة في شأنها الإنساني ومكانتها الدينية.
إن التسامح يعني اللاعنف ، يعني اللاشراسة ، يعني اللاخشونة، لا توحش، لا طغيان ، لا ظلم ، لا غلظة، لا توعر ، فإن لم يحصل السلام فلا بد أن نركز على التضامن من أجل التسامح حتى يتحقق السلام قال تعالى (( فاصفح الصفح الجميل)) هذا هو القرآن الكريم وهذه أخلاقياته ينشر من خلال آياته المعجزات قيم التسامح وأيضا السنة النبوية المطهرة تحذو بمحاذاة محكم التنزيل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذهبوا فأنتم الطلقاء !! ماذا يعني باذهبوا!! يعني أنه أخلى سبيلهم يوم فتح مكة فأطلقهم فلم يعاقبهم أو يسترقّهم أو يهين كرامتهم بل حفظها لهم فخلّى عنهم ، هذه شيم عظيمة ، وخصال حميدة يتعين تدريسها في مناهج المدارس ، وتخصيص أقسام في الجامعات بمسمى قسم التسامح والنوايا الحسنة يمنح فيها الطالب الخريج الدرجة الجامعية الأولى ويستفاد منهم في تدريس هذه المادة الحيوية الهامة في فصول مدارس التعليم العام وفي معاهد التدريب وفي الجوامع والمساجد ودور العلم الأخرى وأيضا الإعلام والصحافة.
التسامح في نظر المهاتما غاندي يركز على التضامن الأخلاقي والفكري بين البشر فإذا كان لا بد أن يفشل السلام فلا يجب أن نخرج عن التضامن من أجل التسامح هذه فكرته منذ مئة وخمسة وعشرون عامًا مضت.
إنّ ثقافة اللاقسوة دائمًا ماتنجح لتحقيق التسامح خاصة أنها تخوض في كيفية إقامة علاقات صحية تخلو من مكدرات الحياة ، ومنغصات الفكر والأخلاق، فكلما تخلصنا من التمييز والقسوة وعملنا على تصميم إطار منهجي منصف لمكافحة العنصرية والتمييز الطبقي والمناطقي والتعصب للرأي أو القبيلة أو العرق والنسب واشتغلنا على تعزيز التسامح وتقوية أواصر الاحترام المتبادل والمساهمة في التنوع والشمول وقبول الثقافات المتعددة والتركيز على المشتركات والتعاطف معها من أجل منع ظهور التوبيخ والتقريع والتسفيه وعدم التحقير للأفكار والحقوق، ووقفنا في وجه الاستخدام المفرط للصلابة والبأس عندها نستطيع القول أننا بنينا فكر الإنسان قبل المكان.
على هذا يشكل تعلم الإنسان لأصول وحقوق وواجبات قيمة التسامح انعكاسًا هامًا في تعزيز قيم المواطنة والاعتدال والعمل على تحقيق الوسطية.
فإن سلطنا الضوء على كيفية أثر التسامح في تعزيز القيم الوطنية وقيم الاعتدال والوسطية نجدها في الآتي
أولاً/ تعزيز القيم الوطينة
المساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية بالعمل الجماعي والمساعدة على نمو وازدهار الوطن ومؤسساته ومصالحه ، والشعور بالانتماء للقيادة، والالتزام بالأنظمة والتعليمات،وبالمبادئ والأهداف التي صاغها النظام، كما أنّ تعلم الإنسان للنزاهة والشفافية والتحلي بروح المبادرة ،والمشاركة في المناسبات الوطنية وتحمل المسؤولية الشخصية؛ كالصدق والطموح والإخلاص والتكيف مع الظروف وغيرها الكثير مما يسهم في تعزيز القيم الوطنية في النفوس ويمنحنا التسامح والعيش بسلام واطمئنان.
ثانيًا/ تعزيز قيم الاعتدال.
قيم الاعتدال خيارٌ ليس اختيار ، خيارُ مفروض من أجل التسامح ونبذ التطرف، من أجل إقصاء العنف واللوم والتقزيم، من أجل قمع حالة الغضب والهيجان غير المبرر، ومن أجل القضاء على العناد والتهور والالتهاب الفارغ.
لقد جاء الإسلام ليجعل التنوع عنوانًا للبشرية ، لم يأت هذا الدين ليجعل من الناس نسخة مكررة ويوردهم موارد الضياع ، ويضيق عليهم عيشهم! لا أبدًا غير صحيح هذا ! لقد جاء الإسلام بمبادئ عظيمة تسمو بالمسلم وتعمل على تربيته تربية حسنة جاعلة الاعتدال عنوان ،وقيمة ومبدأ ، وإبراز التسامح مع من يخالفه بل أنه قرر حقه في اعتناق ما يشاء من الأديان قال تعالى (( لكم دينكم وليَ دين)) إنه الإسلام خير الأديان وأعظمها على الإطلاق، لأجل أنه يؤمن بسنّة الاختلاف ويقبل التعددية ويرفض القسرية والقساوة وهذا إثراء للبشرية من المولى – جل وعلا- أوجدها رحمة بالناس حتى يكونوا شركاء في عمارة الأرض وإرساء قواعد التعايش جنبًا إلى جنب.
هذا يؤكد للعالم أجمع أن الإسلام يحمل هم الإنسانية دون تخصيص ويسعى للتصدي لكلِّ من : الصراعات الفكرية والمادية بين الأمم ، والتصادم الثقافي بين الشعوب.
ثالثًا/ تعزيز قيم الوسطية
من قيم التسامح الدعوة إلى الانفتاح الإيجابي على الثقافات والحضارات بشتى الوسائل والأساليب المتوازنة والتصدي للتيارات التي تدعو للغلو والإرهاب والتطرف ، والعمل باستمرار على نبذ الطائفية والرفع من طرق الوعي الفكري هذا بدوره سوف يعزز العطف وينشر الرحمة،والتسامح ، والتضامن والمحبة والسلام ويمنع الإكراه ويوجب المساواة وحفظ الحقوق بغض البصر عن أديان الآخرين أو مذاهبهم أو أفكارهم أو جنسياتهم أو حتى أجناسهم وأنه لا مجال ولا ذريعة للإخلال بهذه القيم النبيلة.
ختامًا/
إنَّ المملكة العربية السعودية لها مبدأ ومنهج واضح تمضي فيه وتسير عليه قائم على مبدئية أصيلة تقول: إنّ التسامح منهجُ حياةٍ ومبدأٌ من المبادئ الجامعة بين البشر يستمد قوته وطرائقه من القيم الإسلامية العظيمة، والعادات والتقاليد السعودية النقية، والعقيدة السمحة الداعية إلى تعزيز الأمن والاستقرار والتسامح بين كافة الدول، والمجتمعات وكل الشعوب ليكونوا نسيجًا واحدًا ضد من يهدد التلاحم والتناسق والتماسك فيما بينهم،
انتهى

علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

‫2 تعليقات

  1. مقالك الرائع يعكس عمق الفهم لقيم التسامح والسلام التي يحثنا عليها الإسلام في كل زمان ومكان. لقد أتيت بكلمات رقيقة تبين لنا كيف أن اللطف والتراحم يجب أن يكونا أساس تعاملنا مع الآخرين، كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواقف العفو والمغفرة. إن اقتباسك لآية “فاصفح الصفح الجميل” هو تذكير لنا بأن السلام لا يتحقق بالكلام فقط، بل بالتضامن والعمل من أجل نشر قيم التسامح في كل تفاصيل حياتنا. بارك الله فيك على هذه الكلمات المضيئة التي تضيء دروبنا نحو السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى