كُتاب الرأي

(أترك مسافة قبل الحسافة )

بقلم اللواء/ محمد سعد الربيعي

يعد وجود الصداقة والعلاقة ذات أهمية قصوى في حياتنا وحياة كل شخص على ظهر هذه البسيطة ، وهي عادة أصيلة وطيبة وحسنة في مجتمعنا وتتوارث مع الأباء والأبناء والأجيال جيلاً بعد جيل ، تختلف دائرتها من القريب للقريب حتى أن تذهب بعيداً وتتسع لأشخاص وكيانات مختلفة لعوامل هذه الحياة وتَنّقْل المصالح التي تعد من أحد أسباب تكوينها الرئيسي ، وهو ما قد مررنا به وكثيراً من الزملاء وأفراد هذا المجتمع ونسيجه في المملكة من خلال حياتنا العملية ، وهو ماقد ينطبق أيضاً على الجميع ، وخاصة من قُدْر له أن ينتقل بين مدن المملكة في جوانب مختلفة وعَرف من عرف ونسج علاقات ربما كانت جيدة أو عكسها من خلال منح الثقة لأشخاص كان سقف التوقعات فيهم مرتفعا.

إن أكثر السلوكيات خصومة في بناء العلاقة والصداقة بين الناس وخاصة الأقارب هو نشوء الخلاف وإمتداد أثره وتأثيره تحت عوامل تساعد على تأجيجه ، وبعد ذلك تحدث القطيعة ، وأقواها كما أشرت بين الأقارب ، وكذلك عداوةٍ بعد صداقة بين الزملاء والمعارف أيضاً ، وكل من يبحث ويفتش يجد أكثر العداوة بين أصدقاء الأمس .

هناك قاعدة مهمة في بناء العلاقة والصداقة هو أن تكون بعيدة عن المصالح ، وكذلك عدم رفع السقف فيها ليسلم من الصدمات ، العاقل يدرك في هذه الحياة أنه ليس بحاجة لصداقة تؤذيه أو تجرح مشاعره وتوجد له الآلام والحسرة والخيبة في من وقع عليه الإختيار كصديق نتيجة عدم الثقة التي قد تكون في غير محلها في كثيرٍ من العلاقات ، ولكن في نفس الوقت لانريد أن نكون متشائمين في إختيار الصحبة ، فليس من الواقع إعتزال الناس أو التخلي عن بناء العلاقة وإيجاد الصداقات معهم لأن الكل في حاجة الكل ، ولكن شريطة زيادة حُسن الإختيار في ذلك من أجل إعتزال كل مايؤذي عند خيبة سقف التوقع .

إن في إيجاد مساحات وحدود ونقاط معينة ودقيقة أمراً حميداً في التعامل مع هذا الجانب المهم في حياتنا لأن فشل الإختيار هو أن تفقد صديقاً أو زميلاً كانت ثقتك به تعدت هذه الشروط ورُفع سقف توقعاتك به ، وبالتالي فقدته نتيجة تلك الخيبات التي تلم بنا بين الحين والآخر، ومن المهم جداً أن تُحْتَرم العلاقة ، وتُعطى حقها ولكن بمقياس لاينقلب إلى خصومة ، أو علاقة غير منضبطة وهي الأكثر سقوطا .

إن في إغلاق كثير من المساحات أو تضييقها ، مع الحرص على إيجاد مساحة آمنة وعدم الإنحراف في الطريق المنحدر سيعود بالفائدة لإنهاء بعض العلاقات والصداقات ، وخاصة التي لا يمكن الركون اليها بين الأصدقاء عند الحاجة لهم ولمن مُنحوا الثقة في رفع سقف لم تتوقع نتيجته.

بالطبع ليس من المطلوب أو المعقول أن يكون من تختاره هو نسخة أخرى منك ، ولكن في الأحيان الكثيرة يكون في حسن الظن ورطة ، والزيادة هنا هي أخت النقص ، ودوام العلاقة ليس مرهوناً بسقف التوقع لأن الأمزجة تختلف وتتعرض لانقلابات نفسية وأخرى مختلفة ، فالتوازن مطلوب بين الأحبة والزملاء في دوام العلاقة المتينة ، خاصة ونحن لانعيش في حياةٍ مثاليةٍ فأعقل الناس أعذرهم .
إن التكلف يصنع الحواجز ويؤثر على العلاقة ، ونهج البساطة فيها يعمرها ويديم استمراريتها وديمومتها وهو مانطمح له ويطمح له الكل مع الإهتمام بالتمييز بين من قد تكسبه أو تخسره نتيجة حسابات لم تكن مدروسة بالشكل المطلوب ، فالإنسان لم يكتب على جبينه هذا صالح وهذا غير ، فالحذر واجب وقياس المسافة الآمنة أصبح الآن أولوية لايمكن تجاوزها.

كاتب رأى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى