” مصاقيل “

” مصاقيل “
في الحارة القديمة وسط الزقاق المؤدي إلى السوق يلهو الصغار بلعبة المصاقيل الشعبية تقف ذرات الرمال على أطراف أصابعهم شهوداً على متعة يعيشها الصغار كل صباح أمام العابرين من وإلى السوق، تصطك الكرات الزجاجية ببعضها لتتدحرج نحو حفرة صغيرة حفروها بعلبة صلصة فارغة لتهيء لهم مرمىً تنافسياً وسط مضمارٍ دائري تقام عليه مبارياتهم المعتادة.
الطفل اليتيم القاعد في الزاوية البعيدة يراقب الصغار المنهمكين في لعبتهم يقضم أصابعه خوفاً وخجلاً وتفضح عينيه رغبته الملحة في النزال، لكن سخرية الرفاق لا تدعه وشأنه في كل مرة يهوي إلى ساحة اللعب أو يقترب منها، وما يلبث أن يعود أدراجه إلى زاويته تلك.
خطوات متسارعة تصل إليه ليجد أحدهم أمامه يمد له يده ويطلب منه النهوض على قدميه، يقف متردداً ومتسائلاً عما يريد هذا الصبي!.
يطلب منه المشاركة ويمنحه حفنة من المصاقيل وياخذه بيده معه وسط استغراب من بقية الصغار!.
يبدأ اليتيم اللعب، يذهل الجميع إنه يصيب هدفه بمهارة!. تفترُّ شفاهه عن ابتسامة سعيدة ، تتفتح أساريره وسط تصفيق حار من فريقه واعجاب من الصبي الآخر الذي سمح له بالمشاركة.
يتوقف المارة ليشاهدوا مهارة الصغير العالية.
في نهاية الشهر يشارك في مباراة الحارة مع الحارة المجاورة ويتميز الفريق ويسطع نجم ذلك الصغير بين الحواري.
تختفي ملامح الحزن وتحل محلها ملامح الثقة والشخصية.
بعد ثلاثين سنة يجتمع الأهالي في حفلة تكريم الجنرال اليتيم بتولي منصبه القيادي في شرطة المدينة!.
بقلم القاص/علي المعشي