كُتاب الرأي
*المعلم .. صانع المجد وأبجدية الحضارة*
*المعلم .. صانع المجد وأبجدية الحضارة*
في الخامس من أكتوبر من كل عام، يقف العالم وقفة إجلال وإكبار ليحتفي بالمعلم، ذاك الإنسان الذي لم يُخلق ليعانق المجد لنفسه، بل خُلق ليصنع المجد في عقول الآخرين وقلوبهم. إن يوم المعلم ليس مناسبةً عابرةً في رزنامة الأيام، بل هو ذكرى أبدية تُعيد إلى الوعي الجمعي أن الحضارات لم تُبنَ بالحجارة وحدها، وإنما صيغت لبناتها الأولى من طبشورٍ أبيض وخطوطٍ على السبورة.
المعلم هو الصوت الذي يضيء عتمات الجهل، وهو البذرة التي إذا ما زُرعت في أرضٍ خصبةٍ من العقول أثمرت أجيالاً تحمل مشاعل النور والفكر. وهو الجسر الذي عبرت عليه الإنسانية من غياهب الأمية إلى آفاق العلم والمعرفة. فما من طبيبٍ أنقذ حياة، ولا مهندسٍ شيّد بناء، ولا شاعرٍ كتب قصيدة، إلا وكان وراءه معلم وضع اللبنة الأولى وفتح الباب نحو البدايات.
وفي زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتشابك فيه مسارات المعرفة، يظل المعلم هو البوصلة التي توجّه، والنبراس الذي يهدي. قد تغيّرت الأدوات، لكن رسالة المعلم لم تتغير؛ فهو الذي يُحسن التلقين كما يُحسن الإلهام، وهو الذي يغرس في النفوس معنى أن تكون إنساناً قبل أن تكون عالماً أو مخترعاً أو قائداً.
إن تكريم المعلم لا يكون بالتصفيق ولا بالاحتفاء ليومٍ واحد، بل بالوفاء لرسالته، والحرص على تقدير جهده، وتخليد أثره في كل سطرٍ نكتبه، وكل علمٍ نعلّمه، وكل خيرٍ نورّثه. فالمعلم باقٍ في كل عقلٍ يتقد، وفي كل قلبٍ يتفتح للحياة.
وفي يوم المعلم، نستحضر بامتنان تلك الأيدي التي كتبت، والأصوات التي شرحت، والقلوب التي صبرت، والأرواح التي آمنت بأن بناء الإنسان هو أشرف مهنة وأقدس رسالة.
فلنقف اليوم إجلالاً للمعلم، ولنجعل من الخامس من أكتوبر موعداً سنوياً لتجديد العهد معه: عهد الوفاء، وعهد الاحترام، وعهد أن نبقى أوفياء لرسالةٍ حملها على عاتقه منذ أن كان التاريخ تاريخاً.
