كُتاب الرأي

المديفر محاور الشاشة الخليجية

المديفر محاور الشاشة الخليجية

في عالم الإعلام العربي المتسارع، تبرز شخصيات قليلة استطاعت أن تترك بصمة مستدامة في المشهد الإعلامي الخليجي. يُعد عبد الله المديفر، المولود عام 1982، واحداً من أبرز هذه الشخصيات التي استطاعت أن تنحت لنفسها مكانة مرموقة بين نخبة الإعلاميين السعوديين. فمنذ انطلاقته الأولى، شق المديفر طريقه بثبات نحو القمة، متسلحاً بمهاراته الاستثنائية في الإدارة الحوارية وأسلوبه الفريد الذي يجمع بين الجرأة والحكمة، مما أهله ليكون صوتاً مؤثراً يستنطق القضايا المسكوت عنها ويفتح آفاقاً جديدة للحوار الإعلامي الهادف.
من بريدة إلى قلب الشاشة الخليجية: رحلة التكوين الأكاديمي والمهني
نشأ عبد الله المديفر في أحضان مدينة بريدة، حيث قضى سنوات طفولته وشبابه الأولى وتلقى تعليمه الأساسي، قبل أن يلتحق بكلية الشريعة والقانون التي شكلت وعيه القانوني وأكسبته رؤية متوازنة للقضايا المجتمعية. لم تكن بداياته المهنية في عالم الإعلام مباشرة، إذ خاض تجارب متنوعة في مجالات الدراما والتمثيل والإخراج، وهو ما أثرى خبراته وصقل مهاراته الفنية. كانت نقطة الانطلاق الحقيقية له عام 2004 عندما انتقل من العمل في إدارة الإنتاج والتسويق بتسجيلات أحد، بعد مشاركته في فيلم “اليتيم عماد”، ليخطو خطواته الأولى نحو عالم الإعلام الجماهيري الذي سيصبح فيما بعد أحد أبرز نجومه.
لمسة المديفر: أسلوب حواري يكسر الجمود الإعلامي
يتميز المديفر بأسلوب حواري فريد استطاع من خلاله أن يخترق الحواجز التقليدية للحوار التلفزيوني في المنطقة العربية. يعتمد منهجه على مزيج من التحضير المعمق والعفوية المحسوبة، مع قدرة استثنائية على طرح الأسئلة المحورية التي تلامس جوهر القضايا المطروحة. هذا الأسلوب المتوازن جعله محاوراً مرغوباً لدى الشخصيات المؤثرة في المجتمع السعودي والخليجي، فهو لا يسعى لإحراج ضيوفه بقدر ما يسعى لاستنطاقهم وإثراء النقاش العام بوجهات نظرهم. نجح المديفر في إرساء معادلة صعبة تجمع بين الجرأة والاحترام، وبين العمق الفكري والبساطة في الطرح، وهو ما جعل برامجه الحوارية محطة أساسية للمشاهد العربي الباحث عن المحتوى الهادف.
محطات إعلامية بارزة: من “نبض الكلام” إلى “الليوان”
شهدت المسيرة الإعلامية لعبد الله المديفر محطات بارزة تنوعت بين عدة قنوات وبرامج، لكنها اشتركت جميعها في البصمة الخاصة التي يتركها في كل تجربة يخوضها. بدأت انطلاقته القوية مع برنامج “نبض الكلام” على شاشة إم بي سي في رمضان 2011، ثم توالت نجاحاته مع برنامج “في الصميم” الذي عُرض في رمضان على قناتي الرسالة وروتانا خليجية، وبرنامج “لقاء الجمعة” الأسبوعي على القناتين ذاتهما. لكن التحول الأبرز في مسيرته كان مع برنامجي “في الصورة” الذي انطلق على شاشة روتانا خليجية موسم 2018/2019، و”الليوان” الرمضاني الذي بدأ عرضه في رمضان 2019 على القناة نفسها واستمر في تحقيق نجاحات متتالية حتى أصبح علامة فارقة في الإعلام الخليجي المعاصر.
“الليوان”: منصة الحوار التي غيرت قواعد اللعبة الإعلامية
يمثل برنامج “الليوان” الذي يقدمه المديفر خلال شهر رمضان المبارك على قناة روتانا خليجية نقلة نوعية في مفهوم البرامج الحوارية العربية. استمد البرنامج اسمه من الجلسة التقليدية في دول الخليج، وهو ما يعكس فلسفته القائمة على الحميمية والعمق في آن واحد. استطاع “الليوان” أن يجمع بين أصالة الطرح وحداثة المعالجة، وبين خصوصية الثقافة الخليجية وشمولية القضايا المطروحة. تميزت حلقات البرنامج بقدرتها على استضافة شخصيات متنوعة المشارب والتوجهات، من مفكرين وفنانين ورياضيين وسياسيين، في أجواء تشجع على الحوار المفتوح والصريح. هذا النجاح المتميز توج بحصول البرنامج على جائزة أفضل برنامج حواري عربي في منتدى الإعلام العربي بدبي، مما يؤكد مكانته المرموقة على الساحة الإعلامية العربية.
صانع المحتوى المتكامل: بين الإنتاج والاستشارات الإعلامية
لم يقتصر نشاط المديفر على تقديم البرامج التلفزيونية فحسب، بل امتد ليشمل مجالات إعلامية أخرى كالإنتاج والاستشارات الإعلامية. هذا التنوع في النشاط المهني أكسبه رؤية شمولية لصناعة الإعلام، وجعله قادراً على التعامل مع مختلف جوانب العمل الإعلامي بكفاءة عالية. تُظهر تجربة المديفر أهمية التكامل المهني في عالم الإعلام المعاصر، حيث لم يعد يكفي أن يتقن الإعلامي مهارة التقديم فقط، بل أصبح من الضروري أن يمتلك معرفة عميقة بآليات الإنتاج وديناميكيات السوق الإعلامية وأدوات التأثير في الرأي العام. هذه الخبرة المتكاملة انعكست بشكل إيجابي على أداء المديفر الإعلامي، وجعلت منه نموذجاً للإعلامي المتكامل القادر على مواكبة تحولات المشهد الإعلامي المتسارعة.
المديفر والمشهد الإعلامي السعودي المتجدد: قراءة في التأثير المتبادل
يأتي بروز عبد الله المديفر كإعلامي بارز متزامناً مع التحولات الكبرى التي يشهدها المشهد الإعلامي السعودي في السنوات الأخيرة. فقد استطاع المديفر أن يستثمر هذه التحولات بذكاء، مستفيداً من هامش الحرية المتزايد في طرح القضايا المجتمعية والسياسية والثقافية، ومساهماً في الوقت نفسه في ترسيخ قيم الحوار البناء والنقد الهادف. تعكس تجربة المديفر قدرة الإعلام السعودي المتجدد على إنتاج نماذج إعلامية متميزة قادرة على مخاطبة الجمهور العربي بلغة عصرية وروح تجديدية، دون التفريط في الهوية الثقافية أو القيم المجتمعية. كما تُظهر هذه التجربة أهمية الاستثمار في المواهب الإعلامية الشابة وتوفير البيئة المناسبة لصقل مهاراتها وإطلاق إبداعاتها.
آفاق مستقبلية: المديفر وتحديات الإعلام في العصر الرقمي
أمام إعلامي بحجم عبد الله المديفر، تتعدد الخيارات المستقبلية وتتنوع مسارات التطور المهني، خاصة في ظل التحولات العميقة التي تشهدها صناعة الإعلام عالمياً وعربياً. يواجه المديفر، كغيره من الإعلاميين البارزين، تحدي الحفاظ على المكانة المرموقة التي حققها، مع ضرورة التكيف مع متطلبات العصر الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تشكل منافساً قوياً للإعلام التقليدي. لكن ما يميز المديفر هو قدرته على التجدد المستمر والاستفادة من خبراته المتراكمة في استشراف آفاق جديدة للعمل الإعلامي، سواءً على مستوى المحتوى أو الشكل أو وسائل التواصل مع الجمهور. هذه المرونة والقدرة على التكيف، مقترنة بالأصالة والعمق في المضمون، تشكل ضمانة لاستمرار تألق المديفر في المشهد الإعلامي العربي لسنوات قادمة، وربما تفتح أمامه آفاقاً أرحب للإبداع والتأثير.

عبدالعليم مبارك

عبدالعليم مبارك

أديب وكاتب رأي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى